موقع مدينة نابلس الالكترونية يتغيّر
زوار موقعنا الأعزاء!
لعلكم تلاحظون أن الموقع يتغير وأن العديد من الزوايا قد تم الغاؤها، وأن التركيز أصبح أكبر على المحتوى، لأن الغرض من موقع مدينة نابلس الالكترونية هو تقديم المحتوى المتقدم عن المدينة، فقد قمنا بحجب الكثير من المحتوى الغير منظم ويجري حالياً مراجعة كامل المحتوى وسيتم نشره تباعاً حسب وفرة الوقت للمحرر.

مدير ومؤسس الموقع: م. سامي الصدر

مقال اليوم
الشهيد شادي منصور

 

والدة الشهيد تكشف تفاصيل استشهاد ولدها بعد عامٍ على إصابته بالرصاص

نابلس – خاص :

انقضت أيام بيت العزاء الذي تقبلت فيه عائلة الشهيد شادي عوني منصور التهاني باستشهاد ولدها شادي متأثرا بجراحه التي أصيب بها قبل عام قضاه في صراع مرير من الآلام والأوجاع ولم تختف البسمة عن وجهه رغم غور الجراح وألم المصاب.

توجهنا لبيت الشهيد للتعرف إلى حقائق حول استشهاده ووضع أسرته فأخذت حكايته تروي نفسها بنفسها وكأن الصمت أبلغ في جراح تلك الحادثة من الفم.

تقول والدة الشهيد شادي: كانت ليلة عيد الفطر الماضي وكان جميع من في البيت صائمين، إنها وقفة العيد وفرحته التي يعيشها الأطفال في كل مكان من العالم إلا في الأرض التي يحجب ليل المحتل عنها نور النهار.

 قمت بتعزيل البيت وترتيبه وكان شادي يساعدني عندما حضرت النسوة من الحيّ لاصطحابي لزيارة بيوت الشهداء.

 فاطمة منصور هي إحدى الناشطات الاجتماعيات في حيّ القريون من البلدة القديمة وهي والدة الشهيد شادي، تركت المنزل وتوجهت مع رفيقاتها إلى بيوت الشهداء، إنها ليلة العيد وقد اعتاد الفلسطينيون فيها أن يداوي بعضهم جراح بعض، أصر أن تذهب الأم مع رفيقاتها وتعهد هو بإكمال أعمال التنظيف والترتيب في البيت لإعداده لاستقبال أول أيام عيد الفطر.

لم تنس والدة الشهيد شادي خلال عودتها أن تحضر ثياب العيد لأطفالها الستة،رتب شادي ثيابه واعدها كي يرتديها صباح اليوم التالي واجتمعت العائلة حول مائدة الفطر الأخير، كانت تعلم انه آخر أيام رمضان من ذلك العام لكنها لم تكن تعلم أنها آخر وجبة طعام تتناولها العائلة مجتمعة قبل أن يرحل عنها شادي.

 

أصمّ وقناص...

بعد تناول طعام الإفطار خرج شادي وأشقاؤه للعب في حارتهم الهادئة التي كانت آمنة قبل أن تتسلل إليها يد القتل والدمار، كان شادي يقف في نفس المكان الذي سقط فيه الشهيد أسامة جوابرة قبل عامين تقريبا دون أن يعلم أن يدا خفية على الزناد تبحث عن الحياة لتزهقها ويضيرها سماع ضحكات الأطفال وان كانوا بكما لا يخرجون الأصوات ، كانت رؤية الفرحة بعين الطفل شادي سببا كافيا لقتله، واستهدافه بالرصاص، سمع الأطفال بقدوم الجيش ففروا لكن شادي الأصم والأبكم لم يسمع بذلك، فبقي مكانه لتصيبه رصاصة عمياء في ظهره تاركة تهتكا في عموده الفقري طال ما بين الفقرة الثالثة والسابعة فأصابه بالشلل.

 

رحلة العذاب...

تعالى صراخ الأطفال بعد رؤية شادي غارقا بدمه ، وخرجت الأم التي ميزت صوت طفلها ضياء وهو ينادي لقد قتلوا شادي غير أن جنود الاحتلال منعوها من الوصول إليه أو ضمه إلى صدرها وأخذوا يطلقون النار على باب البيت لمنعها من الخروج، حضرت سيارة الإسعاف فمنعها الجنود من الوصول إلى الجسد الغضّ النازف على ارض نابلس القديمة في صورة تتكرر يوميا أمام بنادق الاحتلال، شاغل المواطنون الجنود المنشغلين بمنع الإسعاف ووالدة الشهيد من الوصول إليه وقاموا باختطاف جسده وتقلع بسيارة عادية لم تسلم من إطلاق الرصاص.

تقول والدة الشهيد شادي :" لقد عشنا عاما كاملا من المعاناة من لحظة إصابة شادي وحتى استشهاده، تمكنت السيارة التي أقلته من الخروج من البلدة القديمة ونقلته لمستوصف الرحمة لتجد جهاز التصوير فيه معطل فنقل على الفور إلى مستشفى رفيديا الذي كان يعاني نفس المشكلة قبل أن يتم التوجه به إلى المستشفى التخصصي حيث أعلن استشهاده .

وما هي إلا لحظات حتى كان احد الأطباء يخرج من غرفة العمليات صارخا لا لقد أنقذت حياته، تجلى إبداع الطبيب الفلسطيني في هذا العمل فكم من أرواح أنقذت رغم قلة الإمكانيات، استيقظ شادي ليجد نفسه يعاني من شلل جديد، لقد فقد القدرة على الوقوف أو السير إضافة لعجزه عن النطق والسمع.

وتصف والدة شادي حالته بعد الإصابة بالقول :"لقد تركت الإصابة إعاقات جديدة عند شادي، تهتك بالعمود الفقري ما بين الفقرة الثالثة والسابعة أصابته بالشلل، عدم القدرة على التنفس واعتماد حياته على جهاز تنفس خاص، إصابة وتمزق بالحجاب الحاجز أمام الفقرة السابعة ومع ذلك استيقظ وكان سليما دماغيا ، اصبح يتناول الطعام وبدأ بنفسه يطالب بالسفر للعلاج، وهذا ما تم فعلا أو ما حسبنا انه سيتم".

نقل الجريح إلى الأردن للعلاج المؤقت قبل نقله إلى ألمانيا وبقي هناك شهرين هي مدة التحويلة الطبية الخاصة به،ومع انتهاء تلك التحويلة أعيد شادي إلى نابلس.

أبلغت الأم إدارة المستشفى الذي كان يعالج فيه بالأردن انه من المفترض أن يذهب لألمانيا لمواصلة العلاج غير انهم اخبروها أن القرار عودته للضفة الغربية، وتصف أم فادي الأيام التي قضاها في الأردن بالقول :"كان من المفترض أن يتلقى هناك العلاج، وضع في العناية المكثفة ولم يزره طبيب مختص قط طوال شهرين ابلغونا بعدها أن علينا العودة فعدنا".

وتبلغ حكاية عذاب عائلة منصور بجراح ولدها ذروة المأساة مع استذكار والدته رحلة العودة من الجسر إلى المستشفى وهي تقول دامعة :" حضر الإسعاف الفلسطيني لاستقباله من الجسر، لم يكن في سيارة الإسعاف غير السائق ومرافق ومسعفة متدربة،كانت رحلة العودة أسوأ من مشوار السفر للعلاج وانطلق الإسعاف في رحلة العودة، فيما كانت الأم تنظر إلى ولدها الذي لم يعد يمتلك القدرة على التنفس قبل أن ينزف الدم من فمه حتى وصل إلى المستشفى الوطني في نابلس.

أقام شادي في المستشفى الوطني(4)اشهر جديدة، ثم أرسل للمستشفى العربي وعادت حالته للتحسن قبل أن يصاب بنزيف داخلي قرب الرئة ليعود إلى النزف من جديد ، تقول والدته :" كان الدم يخرج من فمه مع كل زفرة يطلقها ، ورغم ذلك كان مطمئنا مبتسما هادئا إلى أن جاء يوم استشهاده ، كانت الأم تقف إلى جواره عندما رفع عينيه إليها مبتسما وأومأ بلغته الخاصة التي تفهمها والدته جيدا، لم تكد الأم تستفسر من شادي عن ماذا يريد أن يتحدث حتى توقف مشهد الحياة ولفظ شادي أنفاسه في رحلة العذاب الطويلة التي لا تعود حكايتها إلى يوم إصابته بالرصاص.

 

عائلة بملامح الجراح

لا تتوقف معاناة عائلة عوني منصور في البلدة القديمة على استشهاد ولدها شادي وهو أصم وأبكم بعد عام من المحاولات الحثيثة لإنقاذ حياته، لكنها تمتد من جوانب معاناة أصحاب الاحتياجات الخاصة إلى من ذاق مرارة الاحتلال واكتوى بناره.

والد الشهيد شادي هو عوني محمد منصور أصم وأبكم ومع ذلك فقد أمضى في سجون الاحتلال (14)عاما، وكان قد اعتقل بعد إنجابه لأبنائه الأربعة فادي وشادي وضياء وولاء، وبعد خروجه من الأسر رزق أبو فادي بثلاثة أبناء آخرين هم براء وعلاء ومحمد وثلاثتهم صم وبكم ويحتاجون إلى الرعاية الخاصة.

والدة الشهيد شادي (أم فادي) هي أيضا سجينة سابقة لدى الاحتلال حيث تعاني الحكم بالسجن لستة اشهر مع وقف التنفيذ لنشاطاتها الاجتماعية والإنسانية في البلدة القديمة من نابلس ساعدتها دراستها لشؤون الصم والبكم على تدبر شؤون عائلتها فهي تحمل شهادة الدبلوم في تعليم لغة الصم والبكم.

تقول أم فادي : " كأن الله هيأني لدراسة هذا العلم حتى أستغل دراستي في تدبر شؤون عائلتي".

ورغم الحزن الذي يظهر جليا في عينيها تواصل أم فادي بعد لحظات من التوقف عن الحديث قائلة :" الحمد لله، المعنويات عالية والصبر هو الأساس وهو مفتاح الفرج، دخلت بيوت الشهداء ورأيت آلام عوائلهم وأمهاتهم كنت اشعر بقوة إيمانية بالله وبوطنهم واليوم أنا والدة شهيد اشعر بأننا مازلنا مقصرين، هناك عائلات ضحت وقدمت الكثير الكثير وهذا قدرنا كشعب محتل"، وتتذكر أم فادي حياة طفلها الذي رحل لأول مرة بعد الإصابة وهو في الخامسة عشر من عمره قبل أن يسلم روحه بعد عام على ذلك وتقول:" لم يكن شادي يشعر بأنه صاحب حالة خاصة، كان مرحا يحب الرقص ويجيد فنون الدبكة والألعاب والكاراتيه والرياضة ودرس في جمعية الهلال الأحمر نفس المنهج الذي يدرسه الطلبة العاديون ولكن بلغة ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم، وكان عضوا في فرقة الكشافة في حي القصبة يشارك في إحياء المناسبات الوطنية والعامة، لقد كان مفعما بالحياة.

وتقول أم فادي : " لم يستسلم شادي لظروفه ، اخذ يعد نفسه للحصول على عمل دائم فكان يبحث عن رخصة السياقة، وكان يقول لوالدته سأعمل سائق سيارة لبضع سنين وأوفر مالا أبني منه بيتا وأتزوج ويصبح عندي أولاد.

وتضيف أم فادي: " تعلم شادي بعد إنهائه دراسته في الهلال الأحمر صناعة وتركيب الألمنيوم في مركز الشيخ خليفة في عسكر، فأخذ يبحث عن العمل في هذا المجال ، واتفق مع احد رفاقه ويدعى وسيم العبوة وهو أصم وأبكم كذلك على فتح محل لهذا العمل، واختار المحل وأراه لوالديه غير أن المسافة التي كانت تبعده عن رصاصة القناص الإسرائيلي كانت اقرب بكثير من تلك التي تقربه من تحقيق أحلامه التي قضت عليها لحظة استهتار بالبراءة واستخفاف بالحياة البشرية في زمن يغيب فيه المطالب بإعادة الأمور إلى نصابها.

حكاية الشهيد شادي منصور وعائلته واحدة من عشرات الحكايات التي تكشفها الأيام فيما يبقى غيرها مدفونا بين الركام الذي يخلفه استفراد القوة العسكرية بالشعب الأعزل.

 

ماذا تعرف عن!
تصميم وتطوير: ماسترويب